30/06/2008 جريدة البديل
والنقابيون يردون: رجال الأعمال مراوغون ويرفضون الحوار الاجتماعي
كتب: صامويل خيري
أثار مشروع «تعزيز المبادئ والحقوق الأساسية في العمل والحوار الاجتماعي في مصر»- الذي أعلنت عنه الاثنين الماضي في فندق فيرمونت بمصر الجديدة «لوريتا دي لوكا»- مديرة المكتب الإقليمي بشمال أفريقيا في منظمة العمل الدولية- كثيرا من الجدل حول مقاصده الحقيقية وفرص نجاح أهدافه في بيئة العمل الحالية والتي كانت الوحشية المفرطة التي واجهت بها الدولة إضراب المحلة الأخيره أبرز معالمه الرئيسية، وذكرت دي لوكا في كلمتها الافتتاحية في المؤتمر الصحفي الذي عقد بمناسبة انطلاق المشروع تحت رعاية رئيس الوزراء د. أحمد نظيف والذي حضرته عائشة عبد الهادي وزيرة القوي العاملة، وحضره رؤساء النقابات المصرية، أن المشروع يهدف إلي إحداث تقدم في العديد من المعايير الاجتماعية بالتزامن مع النمو الاقتصادي المرتفع الذي حققته مصر في الفترة الأخيرة، والذي بلغ علي حد قولها %7
وأشارت في هذا الصدد إلي أنه بالرغم من توقيع مصر علي إعلان منظمة العمل الدولية بشأن المبادئ والحقوق الأساسية في العمل إلا أنها لم تلتزم بها عملياً بعد، وختمت حديثها بالتأكيد علي أن الحوار الاجتماعي هو أساس العمل اللائق وتنمية العلاقات الاقتصادية والاجتماعية في مصر، فيما عبر كاري بابيولا المدير التنفيذي لمنظمة العمل الدولية عن فخره برعاية د. أحمد نظيف رئيس الوزراء وعائشة عبد الهادي وزيرة القوي العاملة والهجرة، والشركاء الاجتماعيين (اتحاد الصناعات والاتحاد العام لنقابات عمال مصر) لمناسبة انطلاق المشروع، أخذ علي مصر تطبيقها التدريجي للحقوق الأساسية والمبادئ الرئيسية للعمل التي تأتي من بينها حرية المشاركة والعمل الجماعي، والتفاوض بالرغم من مصادقتها علي إعلان منظمة العمل الدولية في هذا الشأن.
وأضاف أن مهمة المجتمعين في الاحتفال نشر مفهوم حل الصراعات في علاقات العمل بالحوار الاجتماعي الداعي إلي احترام وجهات نظر وحقوق الآخرين والمساومة وترضية مصالح المجموعات المختلفة، دون اللجوء إلي المواجهة والمجابهة والتصعيد، من أجل الوصول إلي حل وسط يرضي الأطراف الثلاثة المشاركة هي العملية الانتاجية (العمال- الدولة- رجال الأعمال).
وأشار إلي أن قوانين العمل في حاجة إلي تغيير وتجديد مستمر.
وأضاف أن ذلك يستلزم حواراً بين الأطراف الثلاثة للعملية الإنتاجية وتعزيز الأطر التشريعية لذلك، وأعقب ذلك بقوله «لا شك أن لدينا اتفاقاً في الرأي من حيث المبدأ وإتفاقا متزايداً في فهم حرية المشاركة كما أن لدنيا بعض القضايا العملية التي يجب أن نتعاون فيها بخصوص كيفية ترجمة الالتزام إلي واقع، ويشجعنا نحن كمنظمة دولية في ذلك ما عبرت عنه وزيرة القوي العاملة والهجرة عن التزامها بالمشروع ووجود بيئة عمل كريمة مرة أخري».
أما حسين مجاور رئيس اتحاد نقابات عمال مصر فقد شكر كل من ساهم في إخراج المشروع إلي النور وذكر أنه كان يتمني أن يتم ذلك منذ سنوات طويلة، مع تحول البلاد إلي الاقتصاد الحر، ولكنه أردف قائلاً «ولكن الحمد لله هناك مثل يقول كل تأخيرة فيها خيرة!!» وأشار إلي أن مصر عاشت سنوات طويلة كانت الدولة فيها مسئولة عن كل الأمور الاقتصادية بما فيها البعد الاجتماعي والعدالة الاجتماعية من خلال الاقتصاد الموجه.
وأضاف: «لكن منذ أن تحولت إلي الاقتصاد الحر وآليات السوق كان واجباً أن يكون للأطراف الثلاثة للعملية الإنتاجية (العمال- الدولة- القطاع الخاص) دور في ذلك، وهو الأمر الذي بدأنا فيه اليوم بهذا المشروع من خلال البدء في حوار اجتماعي راق يؤدي إلي المزيد من التعديلات التشريعية والتقدم بالعدالة الاجتماعية».
وأردف قائلاً: «نتمني أن يتحول هذا المشروع إلي حوار اجتماعي كبير لا يشمل بعض التشريعات العمالية، ولا قوانين العمل فقط، وإنما بعض القوانين الأخري الخاصة بالاقتصاد والاستثمار والشئون الاجتماعية، ومناحي الحياة الأخري أيضاً.
ونتمني أن يتم استكمال المشروع لإنشاء مجلس اقتصادي اجتماعي استشاري دائم للبرلمان تكون ممثلة فيه الأطراف الثلاثة.
وأعرب مجاور عن أمله الكبير في نجاح المشروع وقناعته الكاملة بأنه قبل البدء فيه يجب أن تكون لدي الأطراف الثلاثة قناعة كاملة به، لأنه في النهاية لصالح المواطن المصري ومصر عموماً علي حد تعبيره، وأكد أهمية العدالة الاجتماعية في ظل وجود السوق والاقتصاد الحر، وذكر أنه بعدما أصبح منوطاً بالقطاع الخاص القيام بجزء كبير من خطة الدولة أصبح ضرورياً أن يكون له دور اجتماعي وهو الأمر الذي يضفي بحسب تعبيره الأهمية علي المشروع المذكور.
وختم حديثه بأن ثمة ضرورة اليوم لأن يقوم القطاع الخاص بجهد مع الدولة والعمال لإنجاح الاقتصاد المصري.
وألقي سمير علام رئيس غرفة صناعة مواد البناء باتحاد الصناعات كلمة جلال الزوربا رئيس اتحاد الصناعات المصرية، معرباً عن سعادة اتحاد الصناعات كممثل لرجال الأعمال في مصر المشاركين في الاحتفال الخاص بانطلاق المشروع ومعتذراً في نفس الوقت عن عدم إمكانية مشاركة رئيس اتحاد الصناعات المصرية فيه لظروف طارئة.
ووصف المشروع الذي بصدده الاحتفال بأنه مهم وحيوي في مجال العمل في مصر وأن تبني منظمة العمل الدولية له، وإعداده بأسلوب علمي وفني علي مستوي عال يوحي بأنه سيكون ناجحاً، يحقق ما يصبو إليه الجميع من خير وفائدة للعمال وأصحاب الأعمال معاً، وشكر منظمة العمل الدولية علي إختيارها مصر كمقر، ومكان لإنطلاقه، وأكد إيمان وزيرة القوي العاملة والهجرة الراسخ بالثلاثية وهو ما تردده دائماً علي حد قوله للعمال، وأصحاب الأعمال وأضاف أنه ما من سفر ولا إجتماع ولا مؤتمر حضرته، إلا وأكدت حضور أصحاب الأعمال بجوارها مع العمال، وأضاف أنه يجب أن يؤكد أمام منظمة العمل الدولية أن رجال الأعمال والعمال في مصر وجهان لعملة واحدة وأردف قائلاً: «ليس عيباً أن نجلس سوياً لتبادل وجهات النظر ونصل في النهاية لاتفاق يحقق مصلحة الطرفين»، وقال لافتاً «نحن نؤمن بالحوار الاجتماعي والشفافية وبأن علي القطاع الخاص واجبا يجب أن يعطيه ونؤمن أيضاً بأن علي العمال واجباً أهم وشديد وهو واجب مقدس يؤدونه، فبدونهم لا وجود لأصحاب أعمال، وبدون وجود أصحاب أعمال لا وجود للعمال» مضيفاً «الشخص المهيمن علي الموضوع بيننا وزيرة القوي العاملة بحكمتها، وخبرتها، ودرايتها ودراستها المستفيضة التي تحقق هذه المنظومة وأدائها بأسلوب سلس ومرن يحقق المطلوب منا جميعاً في هذا المجال».
وعاد علام مرة أخري لشكر منظمة العمل الدولية علي إتاحتها الفرصة له موضحاً شرف الانضمام لمجلس إدارتها مع الوزيرة التي قدم لها تهانيه بتمثيلها لمصر كحكومة في مجلس إدارة المنظمة، كما هنأ حسين مجاور لتمثيله العمال في مجلس الإدارة.
وذكر أنه بذلك تكون أطراف العمل الثلاثة قد أصبحت ممثلة في مجلس إدارة المنظمة، وقال لافتاً «انتخابات تجري بمنتهي الشفافية، وكونها تختار مصر من 182 دولة مشاركة فيها حتي يكون أطراف العمل الثلحثة فيها ممثلين في مجلس إدارتها يوحي بأننا نعيش عصراً ذهبياً في مجال العمل».
وبالرغم من الحماس الذي تميزت به كلمة علام إلا أنه ختم حديثه بملاحظة بدت وكأنها امتصت كثيراً من نشوته قال فيها «لاحظت وأنا أقرأ محتويات هذا المشروع أن هناك حوالي 40 ممثلاً من النقابات العمالية في لجنة قيادة المشروع مقابل 10 من أصحاب الأعمال بما يتعارض مع الاتفاقية، فنحن نريد أن يكون العمل والأعداد متكافئين»، وهو ما دفع مجاور إلي الرد عليه قائلا: «نحن ندعوكم ولكنكم لا تأتون».
أما عائشة عبد الهادي وزيرة القوي العاملة فقد رحبت في كلمتها بالحاضرين جميعاً ونقلت إليهم تحيات د. أحمد نظيف الذي وضع الاجتماع تحت رعايته في انتظار ثماره المهمة، وأعدت المشروع تجسيداً لما بذلته الحكومة المصرية طوال السنوات الماضية من إنتاج سياسات إصلاحية تمثلت في تأسيس سبل الحوار الاجتماعي، من خلال قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 وتبني إجراءات مناسبة لخلق اقتصاد تنافسي عالمي وبيئة محفزة علي التشاور بفاعلية بين الشركاء الاجتماعيين في المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية.
وأضافت أن المشروع يأتي أيضاً امتداداً للإصلاحات السياسية التي قامت بها الحكومة وتأكيداً علي المواطنة كأساس للحرية السياسية، والاجتماعية، وأشارت إلي أن الحكومة المصرية تلعب دوراً رئيسياً في حماية الحرية النقابية، وإيجاد بيئة تمكينية للمفاوضة الجماعية والتصدي لأوجه القصور من أجل ضمان حماية حقوق جميع الأطراف وذلك من خلال اعتماد تدابير ترويجية إلي جانب سياسات، وهياكل من شأنها أن تسهل وتدعم المفاوضة الجماعية، وإنشاء أدوات وآليات فعالة لمنع حدوث نزاعات العمل.
وأضافت أنه كان لإعلان مبادئ وأسس الحوار الاجتماعي بحضور رئيس مجلس الوزراء بين الشركاء الاجتماعيين أثر في التأكيد علي أن الحوار الاجتماعي هو السبيل الأفضل لخلق مناخ ملائم للاستثمار، وتحقيق التوازن بين مصالح طرفي العملية الإنتاجية، وذكرت أن وزارتها عنيت من خلال دورها المنوط بها بإعداد وتنفيذ برامج تدريبية وبتطبيق مبادئ الحوار الاجتماعي والمفاوضة الجماعية، ووسائل فض منازعات العمل الجماعية ودياً.
وأضافت أن الوزارة أطلقت أيضاً خلال العامين الماضيين حملة توعية لرفع الوعي بين العمال، وأصحاب الأعمال عن أهمية التفاوض المباشر في حل منازعات العمل الجماعية، كما أطلقت حملة أخري حول مفهوم علاقات العمل المتوازنة بهدف التأكيد علي أن إقامتها لا بد وأن تكون محصلة تفاهم وتشاور، لا مواجهة وصراع، مع الإبقاء علي دور الدولة باعتبارها طرفاً ثالثاً محايداً معنياً بالحفاظ علي السلام الاجتماعي.
تحدث بعد ذلك مصطفي سعيد مصمم المشروع من منظمة العمل الدولية عن أن المشروع ممول من وزارة العمل الأمريكية بهدف الاعتراف المتبادل فيما بين الشركاء الاجتماعيين (شركاء العمل) بمشروعية مصالحهم واحترامها.
وأضاف أن وظيفته مساعدة الشركاء في حال تعارض مطالبهم المحددة علي توضيحها بما يليق بمصلحة الشراكة بينهم، وفي إطار احترام مبادئ منظمة العمل الدولية والحقوق والمبادئ الأساسية التي تضمنها إعلان المنظمة لعام 1998.
وأشار إلي أن المشروع يهدف أيضاً إلي وضع أطر قانونية لتأسيس الحوار الاجتماعي الدائم بين الشركاء وتعزيز المفاوضات الاجتماعية في الإطار السابق ذكره. وألمح إلي أهمية المشروع لعدد هائل من العمالة المصرية يعمل في قطاع الزراعة والمؤسسات الصغيرة التي تضم أقل من 50 عاملاً، من المحرومين من أي مظلة نقابية والكثير من التقديمات الاجتماعية.
وحول المخاوف التي أثارها حديث سعيد عن التمويل الأمريكي للمشروع، وشموله العمالة في قطاع الزراعة من أن يكون ذلك وسيلة أخري للولايات المتحدة الأمريكية، وأوروبا للضغط علي الإنتاج الزراعي الوطني عبر فرض قوانين عمل لا تتناسب مع هيكل العمالة في ذلك القطاع الإنتاجي الحيوي، ذكر في تصريح خاص لـ «البديل» أن منظمة العمل الدولية وضعت تصوراً للمشروع بالمتابعة مع وزارة القوي العاملة وقطاع الأعمال.
وأضاف أن السياسات الاقتصادية المصرية، وعلاقاتها التجارية بالخارج شأن داخلي والحكومة المصرية، هي المسئول الأول والأخير عن ذلك.
ونفي أن يكون المشروع إملاء خارجياً علي الحكومة المصرية وشعبها، إلا أنه رفض التصريح بميزانيته
وحول سؤال «البديل» له عن مدي إمكانية اعتبار الحكومة المصرية وسيطاً محايداً في نزاعات العمل، بعد القمع العنيف الذي واجهت به إضراب عمال المحلة الأخير، ذكر أن هذا شأن داخلي لا قبل لمنظمة العمل الدولية به، ولكنه أضاف «بلا شك أن الحكومة هي صاحبة عمل أيضاً من جهة لكن من الجهة الأخري لها دور أساسي في تطبيق القانون والاتفاقيات الدولية الخاصة بالعمل، وهي تقوم بهذا الدور لحد معين ونطلب منها في منظمة العمل الدولية أن تطبق القوانين الدولية في هذا المجال بحذافيرها سعياً إلي أن تكون صاحب عمل نزيه».
لكن بعد أن أنهي سعيد حديثه بدأت روح التفاؤل والحماس التي سيطرت علي الاحتفال في الانسحاب وحل محلها كثير من السخط والتشاؤم، مع إلقاء ممثلي النقابات العمالية كلماتهم، رغم أن جميع المتحدثين لم يكن بينهم نقابيا واحدًا أحمر!!
فبالرغم من الشكر الذي وجهه سعيد الجوهري رئيس النقابة العامة وأمين عام الاتحاد العربي لعمال الغزل والنسيج لمنظمة العمل الدولية لإتاحتها بداية الحوار الاجتماعي بين الشركاء الاجتماعيين الذي تأخر كثيرًا في مصر علي حد قوله، فإنه دعا المجتمعين أن يكونوا جميعًا علي مستوي الأحداث والتغيرات التي تمر بها مصر. وتمني أن يحذوا حذو الحركة النقابية التي كانت سباقة في استيعاب الظروف والمتغيرات ورحبت بالتغير الاقتصادي في بداية التسعينيات درءاً لخطر الانعزال عن الاقتصاد العالمي، واختناق الاقتصاد الوطني. ونفي وجود مفاوضات جماعية أو حوار اجتماعي في مصر مثيل للذي يجري في بيئة العمل الأوروبية أو الأمريكية. وأضاف أنه لا يمكن قول أن هناك حوارًا اجتماعيا في مصر رغم توقيع وزيرة القوي العاملة لبروتوكول الشركاء الاجتماعيين تحت رعاية رئيس الوزراء بحضور اتحاد الصناعات واتحاد العمال وإلا ما حصل ما حصل مشيرًا إلي غضب كثير من العمال وعدم استقرار مواقع إنتاجية كثيرة.
ووصف الأوضاع الحالية للعمال بأنها ليست مريحة ولا طيبة وأضاف أن العمال ليسوا سعداء، وذكر أن العمال يريدون الاستفادة من البرنامج الذي ساعدهم فيه منظمة العمل الدولية كما أنهم يقدرون دور الحكومة كوسيط بينهم وبين رجال الأعمال ومقرب لوجهات النظر وأردف «لكن رجال الأعمال رافضون الحوار أصلاً.. لا نريد أن نضحك علي بعض. فالقضية ليست في أن نجلس سويا كاتحاد عمال واتحاد صناعات ونتكلم كثيرًا ثم تصدر بيانات.. فالأهم أن نكون في داخلنا مقتنعون بهذا الحوار.. نحن في حاجة إلي تعديل التشريعات العمالية وقانون العمل وقانون النقابات العمالية.. التنظيم النقابي مستقل ويمارس عمله لكن في ظروف صعبة. فهناك طرف آخر لابد أن يقتنع بهذا الحوار.. لا نريد قول كلام في الغرف المغلقة ثم ننزل للواقع فنجد مشاكل لأن كثيراً من الممارسات التي تجري في الواقع ليست مريحة» أعرف إلي أي مدي تعاني الحكومة من تهرب رجال الأعمال من الحوار والتفاوض بل وعدم اكتراثهم بها حتي في حالة حضورهم لها» وقال لافتًا «أولاً هناك اتفاقيات مصر وقعت عليها يجب أن تنفذ ويجب أن يعرف أصحاب الأعمال أنهم في حاجة إلي العمال وأن يعطوهم حقوقهم في ساعات العمل المحددة قانونًا فقط، وأن يؤمنوا عليهم التأمين اللازم ويوفروا لهم العمل اللائق بعقود جماعية كما أن العمال في حاجة إليهم ليشغلوهم».
وأضاف: «نريد أن نجلس في مفاوضات حقيقية.. والقانون كفل لنا حق الإضراب ولكنه لا يزال في حاجة إلي مزيد من التنظيم.. لكننا لا نزال في حاجة إلي المزيد من الجهد لأن العضوية النقابية تتقلص نتيجة الخصخصة. وعدم مساعدة أصحاب الأعمال للعمال علي انخراطهم في تنظيم نقابي.. نريد أن تتقدم بلادنا مثل كل بلاد العالم ونحن أصحاب مصلحة في أن يأتي المستثمرون ورءوس الأموال إلي بلادنا لكن ليس علي حساب مصلحة العمال. فلابد من تطبيق معايير العمل الدولية التي حددتها منظمة العمل ولابد من حصول العامل علي العمل اللائق والأجر المناسب وما يسمونه بالأمن الوظيفي والاستقرار. فإذا شعر العامل بهذه العناصر أعتقد أنه سيؤدي بأفضل ما لديه» وختم حديثه بأهمية إجراء الحوار الاجتماعي بين النقابات العمالية والغرف الصناعية لأنهم الممثلون المباشرون للعمال وأصحاب المصانع لأن الواقع أصبح مؤلمًا للعمال.
أما د. سامر سليمان أستاذ الاقتصاد السياسي بالجامعة الأمريكية فوصف أزمة مصر الاقتصادية بأنها بداية ونهاية أزمة سياسية، وأضاف أن المؤسسات النقابية أهم مؤسسات العمل السياسي وأشار إلي أن الفكر التنموي يركز الآن علي الدولة والمؤسسات السياسية ومدي تسهيلها عملية التنمية وقال لافتًا «وبالتالي فالذي أركز عليه هنا أنه لا وجود لتنمية اقتصادية بدون نقابات قوية.. النقابات لها وظائف متعددة من أهمها الارتقاء بالمهنة ومستوي العاملين فيها وتنظيمها بالإضافة إلي الاشتراك في صياغة القوانين الخاصة بها والحقيقة أن اتحادات الأعمال هي أكثر النقابات المصرية اشتراكًا في صياغة القوانين الخاصة بها ولا أعتقد أن هناك نقابات خارجها لها دور حيوي ومهم في ذلك الشأن. أعتقد أن أهم وظيفة تقدمها النقابات في مصر والوحيدة التي تؤديها بكفاءة هي الخدمات التي تقدمها لأعضائها من أول المعاشات والخدمة الصحية إلي المصايف. أما الوظيفة الغائبة عنها فهي المفاوضات الجماعية بالرغم من أهميتها للتنمية الاقتصادية كعملية شاملة متعددة الأطراف، يحدث فيها غالبًا احتكاكات في المصالح». وأضاف أنه كما أن هناك مصالح مشتركة بين أطراف العملية الإنتاجية «العمال وأصحاب الأعمال» تظهر بينهم أيضًا احتكاكات ونوع من الاختلاف وصراع المصالح. وأشار إلي أن أهمية الحضور القوي للنقابات العمالية واتحادات الأعمال تنبع من كونها تمثل نوعاً من أنواع المفاوضة الجماعية التي تخفض من تكلفة التفاوض أو التبادل، علي عكس المفاوضات الفردية التي تنهك وتستنزف الطاقات الاقتصادية. وضرب مثلاً علي ذلك بالمدرسين في مصر ونقابة المعملين التي كانت مبشرة في الخمسينيات ثم تم ضربها للأسف الشديد والسيطرة عليها بعد تعيين الضابط كمال الدين حسين نقيبًا لها في حالة فريدة ليس لها مثيل في النقابات المصرية مما أدي بحسب تعبير د. سليمان إلي ضعفها الشديد. وأضاف أنه لما انحدرت أجور المدرسين وغابت نقابتهم عن دورها في المفاوضة الجماعية والضغط علي الدولة لزيادة أجورهم، بحث كل مدرس عن حله الفردي ممثلاً في الدروس الخصوصية وأصبح ذلك هو مجال التفاوض الفردي بين كل مدرس وولي أمر علي حدة وأشار إلي أن ذلك أدي إلي أن أصبح المجتمع بنفسه وبشكل مباشر يدفع أجور ورواتب المدرسين في شكل الدروس الخصوصية التي تستنزف جزءًا كبيرًا من دخل الأسر بدلاً من أن تزيد الدولة من ضرائبها وتعيد توزيعها في شكل أجور. وذكر أن العمال اليوم في وضع مشابه للمدرسين لأن نقاباتهم ضعيفة وغير ممثلة لمعظمهم وبالتالي تقبع خارج نطاق التفاوض عندما تقع أي احتكاكات أو صراعات في العملية الإنتاجية مما يؤدي إلي بقائها بلا حل واستنزاف العملية الإنتاجية ووقف نموها. وحذر د. سليمان الحالمين بفكرة القمع وتشغيل المصريين بالعشر، من الإخفاق الذريع الذي ينتظرهم في هذا المجال لأن مصر لم تقبل تاريخيا هذا النمط من العمل كما أنه غير مقبول إنسانيا.
وأضاف أنه ما لم يحظ العامل بحقوقه يسستمر البلد في المرواحة التي تمر بها الآن وأرجع د. سليمان مشكلة النقابات العمالية الرئيسية إلي عدم تخلصها إلي الآن من ميراث نظام الطوائف الحرفية الذي تطورت عنه والتحويل الذي جري لها في الخمسينيات وفق النظام الكوربوراتي الذي كان مطبقًا في إيطاليا الفاشية ودول كثيرة غير ديمقراطية. ووصف النقابات المصرية بأنها أشبه بالطوائف الحرفية أكثر من النقابات الحديثة مضيفًا أنها لا تزال تجمعًا قسريا يتم تحت راية شيخ أو كبير علي علاقة مباشرة بالدولة، لا تملك انتخابه أو عزله بل الدولة هي التي تعينه وهو الذي يتولي التفاوض معها بالنيابة عن الفئة العمالية.
وفي النهاية شكك إبراهيم الأزهري الأمين العام لاتحاد العمال في تقبل بيئة العمل المصرية للمشروع بسبب المؤثرات السلبية التي يمارسها رجال الأعمال عليها والتي تمنعها من التعامل مع التشريعات الموجودة والاتفاقيات المبرمة علي حد تعبيره.
وأضاف أنه عندما كان رئيسًا لنقابة عامة صناعية كان يري الويل من رجال الأعمال الذين كانوا يقومون بفصل أي عامل لديه وعي نقابي أو نية لتكوين لجنة نقابية في محل عمله. وأشار إلي أن رجال الأعمال الجدد، الأعضاء في اتحاد الصناعات والغرف التجارية وظفوا لواءات وعمداء سابقين كمخبرين علي العمال في قلب المصانع لاحتجاز الناشطين منهم في كمائن - وختم حديثه بأن الفصل المتعسف والتسريح المستمر من العمل وكسر قرارات اللجان والنقابات العمالية أدي إلي رفض الشباب العمل في القطاع الخاص
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق