Samer SolimanApril 22, 2010 at 3:40pm
الموضوع: من فزاعة الاخوان إلى فزاعة الخطر الأحمر
المراقب لاستراتيجية الأجهزة الأمنية في التعامل مع التحركات الاحتجاجية في السنوات الأخيرة لابد وأن يرصد تفاوتاً لافتاً للنظر بين السماحية في بعض الأحيان، والقمع في أحيان أخرى والقمع والهرس الشديد في أحيان ثالثة. الموضوع يستحق فعلاً الدراسة لأن اكتشاف الاستراتيجيات السيطرة لنظام الحكم لا يتأتي إلا من خلال التعرف على أداته الأساسية في السيطرة وهي الاستراتيجية الأمنية.لا شك أن التعامل الوحشي والإجرامي مع المتظاهرين يوم 6 أبريل الماضي أمام مجلس الشعب كان لافتاً للنظر مقارنة بالتعامل المرن مع المعتصمين من العمال والموظفين خلال السنتين الماضيتين في المناطق المحيطة بمجلس الشعب ومجلس الوزراء التي افترشها الكثيرون منهم بدون أن يلاقوا السحل الذي تعرض له متظاهري 6 أبريل. يبدو أن هناك رغبة في تطفو المطالب الاقتصادية على السطح وأن تأخذ نصيباً من التغطية الإعلامية. منذ عدة أيام كنت أستمع لإذاعة الشرق الأوسط التي تسيطر عليها وزارة الإعلام فوجدت القائد النقابي كمال أبو عيطة يتحدث كلاماً جميلاً عن حتمية الإضراب والاعتصام كحل أخير يجب اللجوء إليه للحقوق على الحقوق المشروعة. تخيلوا؟ السماح لدعاوي الإضراب من خلال إعلام الحكومة؟ الأمر نفسه ينطبق على الفضائيات العامة والخاصة التي باتت ساحة مفتوحة للمطالبة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
السؤال المهم هو لماذا المرونة مع هؤلاء ولماذا العنف مع أولئك؟ أظن أن تشجيع تسليط الضوء على المطالب الاقتصادية وعلى الاحتجاجات الاجتماعية يصب في استراتيجية استقرار نظام الحكم. كيف؟ إذا كانت بعض قطاعات الطبقة الوسطى تتحرك من أجل التغير السياسي الآن، وإذا كان بعضها قد أظهر حماسة لترشح الدكتور البرادعي، فإن ذلك يمثل خطراً كبيراً على النظام، خاصة إذا ارتبط ذلك بقبول ما داخل بعض أوساط رجال الأعمال لفكرة أن نظام الحكم الحالي استنفذ ولم يعد هناك مفر من التفكير في نظام جديد. هنا تحرك العمال والموظفين رافعين مطالب اقتصادية يمكن أن يقوم بدور الفزاعة التي ترهب القطاعات الوسطى والعليا وتقنعها أن أي حراك سياسي بالضرورة سوف يُخرج الوحوش من المناطق الفقيرة والعشوائيات. والحقيقة أن فزاعة الصراع الطبقي لا يمكن أن تكتمل إلا بتسليط الضوء على "الخطر الأحمر" الذي يتهدد مصر. في هذا السياق يمكن أن أفهم كلام "النائب" رجب حميدة وغيره عن وجوبية "إطلاق الرصاص على العيال الشيوعيين اللي عايزة تحرق البلد أو عايزة تركب موجة الاحتجاجات العمالية".
الغرض هنا أن الألية الأساسية لنظام الحكم في السيطرة على الناس هو إرهابهم، ليس فقط بواسطة القمع البوليسي ولكن أيضاً إرهاب قطاع من الشعب بقطاع أخر. لقد أثبتت فزاعة الإخوان والاسلاميين في الماضي نجاحاً كبيراً في إرهاب المثقفين والكتاب والفنانين والمسلمين المعتدلين والأقليات الدينية وبعض النساء. لكن الأزمة السياسية تتصاعد و الفزاعة تلك لم تعد تكفي، خاصة أن عددا متزايداً من الناس في مصر وإن كان لا ينكر خطورة التيارات السلفية والوهابية على مستقبل البلاد السياسي والاقتصادي إلا أنه بات متأكداً أن استراتيجية نظام الحكم ليست القضاء على هذه التيارات ولا حتى إضعفاها وإنما إبقائها تحت السيطرة وتوظيفها لكي تكون عوناً للنظام على إرهاب الناس. فإذا كان بعض الناس قد تشجع أو لم يعد يرهبه الاسلاميين فلماذا لا نبحث في الملفات القديمة عن عن فزاعة الصراع الطبقي والخطر الشيوعي.
استراتيجية الفزاعة دائماً ما تحمل مخاطرة على نظام الحكم نفسه. هل هناك مثال أقوى من أن السادات قد لقى حتفه وهو يناور باستخدام فزاعة الجماعات الإسلامية؟ أكيد، السحر من الممكن أن ينقلب على الساحر. ولكن ما باليد حيلة؟ الحياة نفسها مخاطرة، ونظام الحكم لكي يحافظ على استقراره يجب أن يجازف بعض الشيء باللعب بالنار، على أن يحاول أن يقلل من مخاطر النار بقدر الإمكان. كيف يمكن لنظام الحكم أن يستخدم فزاعة الصراع الطبقي والخطر الأحمر بدون أن تحرقه، أي دون انفلات انفلات ذلك الصراع وخروجه عن مجراه الاقتصادي لكي يصل إلى السياسة؟ يجب على النظام أن يضرب وبكل قوة أية محاولة لربط المطالب والحقوق الاقتصادية بالحقوق السياسية. لذلك كان التعامل مع مظاهرة 6 أبريل من أشرس ما يكون. ولذلك دافع بعض نواب الشعب عن هذه الشراسة بمنطق أن هؤلاء يريدون أن يركبوا الاحتجاجات الاقتصادية.
هذا التعامل الإجرامي مع محاولات بناء الجسور بين المطالب الاقتصادية والسياسية لا يجب قط أن يوقف المحاولات الدؤوبة لتحقيق ذلك، لأن هذا هو الأمل الوحيد لبناء حركة ديمقراطية ذات عمق اجتماعي قادرة على حشد الملايين من المصريين بخلاف عشرات الألاف من المناضلين في سبيل الحرية. لا سبيل لبناء حركة ديمقراطية قوية بدون انضمام أعداد كبيرة من المصريين لها على أساس أنها الطريق الوحيد للحصول على لقمة عيش نظيفة وعلى حياة كريمة خالية من الفقر والحرمان والذل.
وهنا يبرز دور اليسار المصري باعتباره التيار الذي لا يفصل أبداً بين الديمقراطية السياسية والديمقراطية الاقتصادية والاجتماعية. وهنا تصبح مسئولية هذا اليسار مضاعفة لإجهاض تكتيك النظام في استخدامه كفزاعة لقطاعات من الشعب. لقد حاول الاخوان أن يجهضوا استراتيجية الفزاعة وصورة الوحش المخيف التي ألصقها بهم النظام عن طريق إخفاء وجههم العنيف، المتزمت والمتعصب وإظهار وجههم المتبسم، الحليم والمرن. هكذا دفع الإخوان بالشخصيات الدمثة المتبسمة مثل عصام العريان وعبد المنعم أبو الفتوح إلى الإعلام. لكن اليسار لا يجب أن يكتفي بالابتسام أمام الكاميرات ولا حتى إزاحة خطاب الكراهية والتحريض من قاموسه. اليسار المصري يجب عليه فعلاً أن يعلن للناس أنه ليس له أية علاقة بالأفكار والممارسات البلشفية من نوعية ديكتاتورية البروليتاريا. اليسار المصري لابد وأن يؤكد أن كل ما يسعى إليه هو تعميق الديمقراطية لكي لا تقتصر فقط على المجال السياسي وانما على المجال الاقتصادي والاجتماعي. وفي الحقيقة أن الديمقراطية السياسية في مصر لن ترى النور ما لم تتلسح بالديمقراطية الاقتصادية والاجتماعية. من غير ذلك سنظل عشرات أو مئات الالاف نصرخ في سبيل الحرية، بينما يهرول الناس من حولنا كل في اتجاهه من أجل لقمة العيش. المراد ليس تخفيض سقف المطالب الاقتصادية والاجتماعية وانما وضعها في إطار الحلم الديمقراطي الشامل الذي يقوم على بناء مجتمع جديد فيه الانسان وحقوقه الشاملة هي المبتدأ والمنتهى .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق