الأحد، يوليو 06، 2008

إهانات المسئولين للمواطنين .. من اللواء أبو جزمة إلي مسئول الرعاع

الخبراء قالوا إنها تعكس ازدراء الحكومة للشعب
مواطن يعلق علي إهانات المسئولين: ماذا ينتظر الرئيس منهم.. أم أن هذا هو الفكر الجديد للحزب الوطني ومصر اللي بتتأخر بيهم؟

كتب: خالد عبدالرسول
لم يكن الحاج أحمد؛ بائع الخبز البسيط الذي لا يعرف القراءة والكتابة البالغ من العمر الآن 50 عاما، يعرف أن ثلاثة مسئولين مصريين علي الأقل قاموا في الأيام والأسابيع القليلة الماضية ـ حسبما أشارت الصحف ووسائل الاعلام ـ بإهانة مواطنيهم المصريين، لكن ما إن أخبرته بذلك حتي شحب وجهه من شدة الصدمة وقال بنبرة توحي بغضب مكتوم: "لا إله إلا الله.. حسبي الله ونعم الوكيل"!
مثلما حدث مع الحاج أحمد، كانت مشاعر الصدمة والغضب ملمحا مشتركا تقريبا في ردود فعل كل من قرأ أو سمع هذه الأخبار، والتي أشارت إلي قول اللواء سكرتير عام محافظة سيناء: «لو مواطن جاني يشتكي من الأجرة.. هاضربه بالجزمة»، وإطلاق اللواء رئيس مجلس مدينة القرنة لقب «رعاع» علي الأهالي وأعضاء المجلس الشعبي بمدينته، هذا فضلا عن تشبيه وكيل وزارة الزراعة بالغربية لفلاحي إحدي القري بـ«الديدان التي يشكون منها».
طبعا حاول بعض هؤلاء الموظفين «الكبار» - بعد أن كشفهم الإعلام - أن ينفي أو يعتذر، لكن ذلك لم يمنع من اندلاع موجة من النقاشات والتساؤلات حول مغزي ودلالة صدور مثل هذه الإهانات عن هؤلاء المسئولين. وقد أتاحت لنا التعليقات التي جاءت علي أخبار هذه الإهانات علي الموقع الإليكتروني لجريدة «البـــــــديل» علي الإنترنت، الاطلاع علي جانب من هذه النقاشات والتساؤلات والتي لم تكن أقل دلالة من أخبار الإهانات ذاتها.
تعليقات وردود لاذعة
بخلاف "الشتائم" التي رد بها الكثيرون علي هؤلاء المسئولين في تعليقاتهم، أشار البعض ومنهم "محمد حسان" إلي أن "هذه الأساليب (أي أساليب إهانة المواطنين) أصبحت منتشرة جدا، ولا يتسرب منها إلا القليل". وفي هذا السياق قال شخص آخر اكتفي بالإشارة إلي اسمه بـ"م. م." (من "أبو تشت قنا") تعليقا علي واقعة التهديد بضرب الجزمة إنه "ليس غريبا ما قاله السيد اللواء السكرتير العام أي ليس غريبا علي لواءات وعمداء تركوا الخدمة..". وأشار إلي قيام أحد هؤلاء بتحويل مبني الوحدة المحلية الي ثكنة عسكرية، واستخدامه ألفاظا يندي لها الجبين في التعامل مع المواطنين ولجوئه إلي الضرب أحيانا.
وقد توسعت تعليقات أخري في محاولة لتفسير صدور مثل هذه الشتائم والإهانات عن المسئولين. وعلي سبيل المثال قال شخص أطلق علي نفسه اسم "أبو أحمد": "للأسف كل من يجلس علي أي كرسي ينظر إلي الآخرين كعبيد وهذا يذكرنا بقول الخديو الخائن توفيق عندما خاطب الزعيم عرابي بقوله ما انتم الا عبيد أحسنا إليهم". وتساءل آخر، سمي نفسه "المواطن مصري": "ماذا ينتظر الرئيس.. من اللواء أبو جزمة إلي وكيل الديدان.. أم أن هذا هو الفكر الجديد للحزب الوطني ومصر اللي بتتأخر بيهم؟".
وفي حين وجهت أغلب التعليقات اللوم للمسئولين والمسئولين الذين قاموا بتعيين هؤلاء المسئولين وطبيعة النظام والسياسات المتبعة ككل، مالت بعض التعليقات الأخري إلي الإلقاء باللائمة علي المواطنين أنفسهم الذين تهاونوا في حقوقهم إلي هذا الحد، وهو الأمر الذي بدا في تعليق لشابة فيما يبدو تدعي "شيماء" قالت فيه: "والله الراجل صريح وعجباني صراحته احنا شعب ضرب الجزمة فيه حلال مادامت سكتنا عن حقوقنا واتنازلنا وصبرنا علي قانون الطوارئ".
محاولة أخري للتفسير
ويتفق بهي الدين حسن ـ مدير مركز القاهرة للدراسات لحقوق الانسان - مع "شيماء" فيما يتعلق بصراحة هؤلاء المسئولين، قائلا: "إنهم كانوا أكثر صراحة من غيرهم وأكثر تعبيرا عن السياسة الفعلية المطبقة في البلد والتي تعكس ازدراء للشعب، وتختلف في مضمونها تماما عما تشير إليه العبارات الإنشائية التي نجدها في خطاب الحكومة أمام البرلمان أو الخطاب السياسي للحزب الوطني".
ويدلل مدير مركز القاهرة لحقوق الانسان علي ما يسميه بسياسة ازدراء الشعب بأمثلة كثيرة: بداية من التعديلات الدستورية التي قدمها الحزب الحاكم والتي مرت بالبرلمان دون تعديلات اللهم إلا "الفاصلة" التي تحولت إلي "نقطة"، وحتي عمليات التعذيب الوحشي ـ علي حد تعبيره ـ التي تجري في أقسام الشرطة والتي تعبر عن استهانة عميقة بالانسان، والخطاب الذي يتعلمه ضباط الشرطة ويتداولونه في أدني المستويات حول أن "الشعب ده ما يمشيش إلا بالجزمة".
ويري بهي الدين حسن أن مسألة تحقير المسئولين للمواطنين غير مرتبطة بهذا العهد فقط وتعود لفترة طويلة ممتدة ربما منذ أيام حكم الأتراك لمصر وتواصلت منذ ما بعد 1952 ومصادرة حق الناس في الرأي والمنبر والكيان المستقل. ويشير أيضا إلي أن ذلك مشتق من نفس الفلسفة الاستعمارية العنصرية التي سادت خلال الحقبة الاستعمارية التي مرت بها مصر، والتي تري أننا شعوب غير متحضرة ويجب أن تُستعمر من قبل دول متقدمة ومتحضرة لكي تسطيع أن تدير شئونها، والحكام الآن كما لو كانوا يواصلون مهمة الاستعماريين التي لا تنتهي في تجهيز هذه الشعوب لكي تحكم نفسها".
ومن ناحيته يتفق د.حسنين كشك ـ الخبير بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية- مع ما ذكره البعض حول شيوع مثل هذه الأساليب في التعامل مع المواطنين، مشيرا إلي أن ما بدر عن هؤلاء المسئولين الثلاثة جزء من ظاهرة كبيرة يمكن تشبيهها بجبل الثلج الذي يعتبر الجزء الظاهر منه أقل بكثير من المختفي أو الموجود تحت السطح. ويقول كشك إن مثل هذه الممارسات أقرب إلي التقاليد الموجودة منذ أيام الفراعنة مستشهدا بـقصة "الفلاح الفصيح" وما تعرض له من ضرب وإهانات من كبار الموظفين وقتها. ويشير إلي أنه في مجتمع تحكمه طبقة حاكمة مستبدة فإن مثل هؤلاء الفراعنة أو الموظفين يكونون فوق الدولة أو القانون أو هم الدولة والقانون.
وفيما يتعلق بالوضع القائم حاليا يوضح د.حسنين كشك أن الدولة الرأسمالية بصفة عامة لكي تستمر تلجأ لما يعرف بالقمع والقهر المباشرين أو ما يطلق عليه بعض علماء الاجتماع "العنف العاري"؛ ومن ذلك أشكال التعذيب والتعليق في الأقسام وإطلاق الرصاص الحي كما حدث في المحلة مؤخرا. وبالإضافة لهذا النوع من القهر هناك القهر غير المباشر والمتمثل فيما تقوم به آلة التزوير وأجهزة الإعلام الرسمية. ويري كشك أنه مع تصاعد موجة الاحتجاجات الاجتماعية التي يقوم بها عمال وفلاحون وموظفون ضد ما أسماه بـ"الثمار المرة لسياسة الإصلاح الاقتصادي" والغلاء وانخفاض الأجور والبطالة، فإن الدولة تضطر لأن تكشف عن أنيابها وتستعمل القسوة الشديدة والشتائم مع المواطنين، ومن ثم فهو يتوقع أن تشهد مصر تصاعدا في هذه الظاهرة والجزء الظاهر منها علي السطح.
وبكلمات أخري يتفق د. جمال زهران -أستاذ العلوم السياسية وعضو مجلس الشعب- مع كثير مما سبق، حيث يري أن هذه الإهانات دائما ما تصدر عن موظفين أو بيروقراطيين غير منتخبين وتنطوي علي نوع من التحقير والكراهية للشعب، وذلك علي عكس من يأتون بإرادة الشعب والذين تجد أن الشعب يعيش بداخلهم. ويضيف الدكتور زهران قائلا: "إن نظام الحكم الاستبدادي في مصر عندما يري مسئولا اقترب من الشعب وحظي برضاه تجده يعزل أو ينقل" ويؤكد زهران أن ذلك ليس إلا نتيجة لأوضاع العملية السياسية المقلوبة لدينا والتي تجعل الشعب هو التابع وليس السيد، وأنه لو كان مثل هذه الإهانات وجه في بلد ديمقراطي الحكم فيه هو الشعب لما كان هذا المسئول استمر في منصبه نصف ساعة. وفي هذا السياق يتخذ د.محمد الراوي ـ أستاذ الإدارة العامة بالجامعة الأمريكية ـ أيضا من هذه الإهانات دليلا إضافيا علي صحة تصريحاته للبديل قبل أيام عن أن الجهاز الإداري والبيروقراطية في مصر ليست في خدمة الشعب وإنما العكس".
دعوة للمواجهة
وإذا كنا قد حاولنا فيما سبق تفسير سر صدور مثل هذه الإهانات عن أولئك الموظفين وعرفنا أنها جزء من ظاهرة أكبر، فربما لا يقل أهمية عما سبق، أيضا محاولة التفكير في سبل القضاء علي هذه الظاهرة ومواجهتها.
هنا يشير بهي الدين حسن إلي أن المواجهة في المقام الأول ليست مع المسئولين الثلاثة الذين قاموا بتوجيه هذه الإهانات وإنما يجب أن تكون مع هذا النمط من الحكم الذي ينظر للشعب علي أنه غير جدير بأن يحكم نفسه أو ينشئ نقاباته وجمعياته وأحزابه بشكل حر وأن تتمتع وسائل الاعلام فيه بالحرية الكاملة". ومن جانبه يؤكد د.حسنين كشك أن مواجهة مثل هذه الممارسات سياسية بالدرجة الأولي ويجب أن تبدأ بتسليط الضوء عليها وفهمها، وأن تكون بشكل جماعي من خلال الروابط والاتحادات هذا فضلا عن تصدي النشطاء لها في حركتهم اليومية ووضعها علي رأس أولوياتهم وذلك من منطلق أن المواطنين الذين تعرضوا لهذه الإهانات هم أصحاب البلد الحقيقيون وأن مصير من أهانوهم إلي الزوال

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق