بقلم : عبدالفتاح الجبالي جريدة الاهــــرام
http://www.ahram.org.eg/archive/Index.asp?CurFN=opin1.htm&DID=10099سيد بيه يا سيد بيه كيلو اللحمة بقي بجنيه كلنا نذكر ذلك الهتاف الشهير الذي تردد أثناء مظاهرات الطلبة في ستينيات القرن الماضي ، ومنذ ذلك التاريخ ، أصبح الحديث عن الأجور يرتبط دائما بالحديث عن أسعار اللحوم ، والغريب في الأمر أنه انتقل من الملعب السياسي إلي الاقتصاد فوجدنا العديد من الخبراء والباحثين يتبنون هذه المقولة ، وتلك الحسبة وكأنها مسلمة لايأتيها الباطل ، رغم ما بها من أخطاء كثيرة ، فمن البدهيات في علم الاقتصاد أن أسعار السلع تحدد وفقا لظروف العرض والطلب في المجتمع ، وبعض الأمور الأخري المرتبطة بالسوق. وبالتالي قد يتأثر سعر سلعة ما بقرار حكومي ، مما يؤدي إلي انخفاض أو ارتفاع أسعارها دون السلع الأخري ، وخير دليل علي ذلك ما يحدث الآن في سوق الدواجن مثلا نتيجة لانتشار إنفلونزا الطيور, وكذلك المنتجات المرتبطة بلحوم الخنزير وغيرها.وهو ما يحدث في سوق اللحوم, نتيجة لارتباطه بعدة أمور منها أسعار العلف الحيواني ، وأوضاع المزارع وغيرها من المتغيرات ، وعلي سبيل المثال هل لو لسبب أو لآخر انخفضت أسعار اللحوم انخفاضا كبيرا ، بينما ارتفعت أسعار السلع الأخري بنفس النسبة ، هل سيكون ذلك أفضل للمواطن؟
إن الإجابة ستكون بالنفي ، وبالتالي لا يمكن بأي حال من الأحوال ربط الأجور بسعر سلعة معينة بالأسواق أيا كانت هذه السلعة أو قيمتها الغذائية ، ولذلك يتعامل علم الاقتصاد مع مسألة الأجور بصورة أكثر شمولا واتساعا ، ويربط ذلك بالأوضاع المعيشية العامة ، والمستوي العام للأسعار في المجتمع ، أي معدل التضخم والإنتاجية ، وكذلك بعض العناصر التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار عند تحديد هذا المستوي وهي:
احتياجات العمال وعائلاتهم مع مراعاة المستوي العام للأجور في المجتمع
تكاليف المعيشة وإعانات الضمان الاجتماعي ومستويات المعيشة بالنسبة للمجموعات الاجتماعية الأخري
العوامل الاقتصادية ، ومنها متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومستويات الإنتاجية والرغبة في بلوغ مستوي مرتفع من العمالة والحفاظ عليه
هنا لابد من التأكيد علي ضرورة ألا يقتصر النظر إلي الأجور باعتبارها مجرد عنصر من عناصر التكاليف فحسب، بل يجب أن يتعداه ليشمل النظر إليها باعتبارها مصدر الدخل الأساسي لقطاع عريض من المجتمع، إذ تمثل زيادة الأجور أهم الطرق التي تستطيع بها الحكومات ضمان الحد الأدني من مستويات المعيشة اللائق لقطاعات لا بأس بها من السكان
خاصة أن الأجور تعد المصدر الأساسي للإنفاق الاستهلاكي لقطاع عريض من المجتمع، وبالتالي فهي تسهم في إنعاش الاقتصاد القومى، وذلك في ضوء الميل المرتفع للاستهلاك لدي هذه الشريحة.
وهنا تجدر الإشارة إلي أن المناقشات الدائرة حول الحد الأدني للأجور تركز علي تأثيرها علي عملية إعادة هيكلة الاقتصاديات التي تمر بمرحلة تحول إذ يري البعض أن فرض حد أدني للأجور يؤدي إلي الإبطاء من عمليات تصحيح الأجور النسبية في المجتمع وإلي تشويه إشارات السوق خلال العملية الانتقالية وخير معبر لوجهة النظر هذه تقرير الحرية الاقتصادية في العالم والذي يري أن وضع حد أدني للأجور هو تعد علي الحرية الاقتصادية لأصحاب الأعمال ، الأمر الذي يقلل من الحوافز الخاصة بسوق العمل، ويحد من التوسع في استخدام المزيد من العمالة ، وبالتالي يري هؤلاء أنه ينبغي علي الدولة أن تسمح لقوي السوق بتحديد الأجور حتي تتفادي المزيد من البطالة.
وللرد علي هذه الانتقادات نري أن أسواق العمل تختلف عن الأسواق الأخري نظرا لما تتسم به من خصوصية تكمن في كونها أسواقا غير تنافسية بصفة عامة
بل قد تتسم بعدم التساوي في القوي بين أصحاب الأعمال والعمال
ناهيك عن عدم مرونة أسواق العمل وصعوبة القدرة علي الحراك العالمي
وعدم كفاية المعلومات
وتولد هذه الظروف نتائج غير عادلة ، ولا تتسم بالكفاءة
خاصة عندما يكون العمال في وضع ضعيف في المساومة
مما يجعل أصحاب الأعمال قادرين علي تخفيض الأجور
أو إجبار العمال علي العمل في ظروف تتسم بالخطورة أو يمارسون التمييز ضد جماعات بعينها.
ولما كان الأصل الأساسي لدي الفقراء هو العمل ، باعتباره السبيل الوحيد أمامهم لكي يتغلبوا علي فقرهم ، فإن ذلك يعني قبل كل شئ إزالة التمييزات التي تميل لكبت عائدات العمل.
وبمعني آخر فإن تدخل الحكومات عموما يحدث عندما تعجز أسواق العمل عن أداء المهام المنوطة بها وذلك إما بسبب القوة غير المتكافئة بالأسواق أو عدم كفاية المعلومات
وتستجيب الحكومات لهذه الأسباب بثلاث طرق
إما بوضع ترتيبات غير رسمية أو بتمكين النقابات من المساومة باسم العمال أو بالتدخل المباشر عن طريق التشريع
كما يجب الحرص علي أن يتم العمل في ظروف تضمن المساواة والحماية
وهو ما تطلق عليه منظمة العمل الدولية العمل اللائق والذي يشترط فيه أن يدر دخلا عادلا وأمانا في مكان العمل وحماية اجتماعية للأسر وآفاقا أفضل للتنمية الذاتية للأفراد وكذلك الاندماج في المجتمع ، ويمكن للتحول نحو سوق للعمل أقل تشوها وأكثر اتساما بالطابع الرسمي أن يعمل كآلية لتحقيق التكافؤ ،وهكذا وفي ظل عدم وجود نواقص في السوق
مثل التمييز، فإن سوق العمل بأجر يضمن حصول العاملين ذوي الإنتاجية المتماثلة والذين يعملون في وظائف متساوية علي أجور مماثلة صحيح أن الأجور تتفاوت فعلا بالنسبة للمهام المختلفة والمحددة بمهن معينة ولكنها لا تعكس الإجابة بصورة مباشرة وتعكس الفروق في الأجور بين الأفراد إلي حد كبير اختلاف ظروف العمل و اشتراطات الوفة ، بل حتي مع أخذ هذه الظروف بعين الاعتبار يكون هناك قدر من الاختلاف في الأجور لبعض الأمور الأخري مثل
سياسة التمييز في المعاملة أو غير ذلك من أشكال فشل السوق .
ويتوقف تأثير الحد الأدني للأجور ، من نتائج إيجابية أو سلبية ، في قدرته علي التأثير علي فرص العمل والإنتاجية وبمعني آخر فإن سياسات الحد الأدني للأجور يجب أن تتسم بالكفاءة والمرونة ، أي أن تحديدا لمستوي معين كحد أدني للأجر يجب أن يتمتع بقدر عال من المرونة عبر أنواع العمل بما يلائم مختلف مرونات العرض والطلب علي العمل ، وهذا لن يتحقق إلا عندما تكون أسواق المنتجات تنافسية ، وكذلك عندما تتوافر لترتيبات التفاوض الجماعية والمؤسسية ، المرونة الكافية في التعامل مع مختلف الظروف ، ناهيك عن ضرورة ضمان الالتزام بقوانين العمل وتنظيماته وتوفير التأمين ضد الصدمات ، وتأتي أهمية هذه المسألة في ضوء الواقع المعيشي ، الذي أضحت فيه أسواق العمل غير الرسمية تلعب دورا مهما في هذا المجال ، خاصة أن هذه الاشتراطات لا تطبق إلا علي القطاع الرسمي .
وتدلنا الإحصاءات المصرية علي أن الوضع الراهن لا يمكن أن يستمر إلا إذا تعاملنا معه من منظور تنموي ، وذلك بالعمل علي زيادة الأجور والمرتبات وإعادة النظر في الحوافز وبدلات العمل .
وضرورة العمل علي وضع حد أدني حقيقي للأجور يتناسب مع مستويات المعيشة ويتحرك سنويا وفقا لمعدلات التضخم.